تأمُل في انجيل الاحد الرابع من الرسل    لوقا 6: 12- 46

By Fr. Mazin Hanna

 

تأمُل في انجيل الاحد الرابع من الرسل     لوقا 6: 12- 46

اعداد القس مازن قرياقوز صليو البوتاني
في نص انجيل اليوم هناك افكار كثيرة ولكن سوف أحاول التركيز على البعض منها.
صعدَ ربُّنا يسوع الجبلَ ليُصلِّيَ إلى ابيه السماوي، وبعد أن قضى اللَّيلَ كلَّه في الصَّلاة دعا
تلاميذه فاختارَ منهم إثني عشرَ تلميذاً ودعاهم رُسلاً. ان اختيارُ يسوع للتلاميذ جاءَ إذاً بعد
صلاةٍ طويلة إلى الله، هم ولدوا في صلاة يسوع، أي هم ثمرةُ حوارٍ ذات عمقٍ مع الله الآب.
نحن أمام عمل خلاَّق يجمع هؤلاء الرجال في سلطة واحدة ويضمّهم إلى نشاط يسوع. ان هذا
النداء ليس دعوة من الرب يسوع فحسب، بل نداء من الله الآب الَّذي اختارَهم ليُواصلوا
الرسالة الَّتي بدأها ربُّنا يسوع المسيح، وتعلموا منه بعد ان قضوا وقتا معه، وعرِفوا أنَّ ربَّنا
يسوع أتى ليُتمَّ ما بدأهُ الله مع الإنسان، فلم يُقدِّمْ دروسا نظرية، بل جاء ليعيشَ هذا التعليم في
شهادة حياتهِ. لذا نرى التلاميذ يستجيبون لهذا النداء، مكرسين ذواتهم كليا لدعوة الرب يسوع
هذه، فساروا معه وشاركوه خبرات الحياة بما حملته من صعوبات ومشقات. فباتوا غير
منشغلين بذواتهم، بل بكل ما تحمله هذه الرسالة التي قبلوها من يسوع. فمنْ أجلِ يسوع هم
فقراء وجائعون وحزانى ومضطهدون. لذا، نالوا التهنئة (التطويبة) لأنَّهم أطاعوا المسيح من
دون أن يطلبوا ضمانات دنيويَّة ومن دون أيِّ محاولة للتوافق أو التكيُّف مع ما يريده العالم. هم
كلِّياً للرب يسوع المسيح بلا شك. عاش التلاميذ بروح الطاعة التي جعلتهم يلتصقون بالرب
يسوع، وهذا الالتصاق جعلهم ينعمون بنعمة تجعلهم ينظرون الى العالم مثلما ينظر الرب
يسوع. هم مساكين وفقراء مثل معلِّمهم، ليس لهم موضعٌ ليستريحوا وتركوا من أجل المسيح
كلَّ شيءٍ. هم يتأمَّلون أفراحَ العالم الزائلةَ ويحزنون لأجل النَّاس الَّذين يتصارعونَ على
تفاهات الخيرات الأرضية، ويقتلون بعضهم بعضاً متناسين ومتنكِّرين الحقيقة الأسمى:
"ملكوت الله"، "اطلبوا ملكوته، وهذه كلُّها تزاد لكم" (لو 12: 30- 31). هم ينظرون إلى
العالم الخاطئ ويشعرون بالحزن لأجل العالم. قلبهم يتوجَّع من من نكران العالم لله، لأنَّهم
يحبُّون العالم، ومحبَّتهم ليست تعلقاً بالعالم، بل "شفقة الأمّ" الَّتي تلحظ ضياع ابنها، فتتمنَّى
الضَّياع بدلاً عنه ليبقى ابنها سعيداً، هكذا يعيشون الرَّحمة الَّتي نالوها نعمةً من الله الَّذي تجسَّد
وتحمَّل الألم والصَّليب والموت من أجلهم، لينالوا هم غفران الخطايا والكرامة والمجد.
فرسالة الانجيل اليوم لنا هي ان نلبي النداء نحن أيضا، لأننا مدعوين منذ عمادنا، كلُّ واحدٍ
باسمهِ على مثال التلاميذ لنكون رُسل الرب يسوع المسيح، فعلينا أن نستجيبَ لهذا النداء في
تلمذة حقيقية صادقة وأمينة خلفَ ربِّنا يسوع، وان نكون شهوداً لهذا الاختيار في كلِّ جوانب
حياتنا. فلا يوجد وقتٌ فيه يُمكن التخلِّي أو التنازُلُ عن اختيارنا هذا، حتّى في ساعات الخطيئة
الَّتي فيها نحبُس فاعلية الرُّوح القُدس فينا. نحن مدعوُّون لأن نرفضَ ما يعيشه العالم اليوم من
فكرة التملُّك والشُّهرة وتمجيد الأنا (الأنانية) الَّتي تغزو عالمنا وتدمِّر علاقاتنا الإنسانيَّة مع

الآخرين، ونشهدَ لحضارة محبَّة الآخر الَّتي تُخلِّص الأنانية من أمراضها، وتنفتح لفعلِ الرُّوح
القُدس. دعوتنا ان نكونَ مختلفين ومُخالفين سلوكيَّات العالم الَّذي يرفض الاختلاف ويُريد أن
يرتديَ الجميعُ الثيابَ الَّتي يختارها لهم، لا سيَّما ثياب التنكُّرُ لله والتشبُّهُ بالعالم. نحن نُطالِبُ
أبناءنا ليجتهدوا ليكونوا ذوي شأنٍ عظيمٍ في المُستقبل، ولا نُفكِّرُ في حثِّهِم ليكونوا رُسلَ
المسيح، ليكونوا قدِّيسين.
لنصلي اليومَ إلى الرب يسوع ليحمِلَ بيوتنا وعوائلنا وأبناءنا في صلاته إلى الله الآب، ويُقدِّسَها
بحضورِه الشَّافي، ويجعلَ منها هياكلَ مُقدَّسة. امين.