الاحد الثاني من الصوم متى 7: 15- 27

By Fr. Mazin Hanna

 

الاحد الثاني من الصوم متى 7: 15- 27

15 ((إِيَّاكُم والأَنبِياءَ الكَذَّابين، فإِنَّهم يَأتونَكُم في لِباسِ الخِراف، وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفة. 16من ثِمارِهم تَعرِفونَهم. أَيُجْنى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ أَو مِنَ العُلَّيْقِ تين؟ 17كذَلِكَ كُلُّ شَجَرةٍ طَيِّبَةٍ تُثمرُ ثِماراً طَيِّبَة، والشَّجَرَةُ الخَبيثَةُ تُثمِرُ ثِماراً خَبيثة. 18فلَيسَ لِلشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ أَن تُثمِرَ ثِماراً خَبيثة، ولا لِلشَّجَرةِ الخَبيثَةِ أَن تُثمِرَ ثِماراً طَيِّبَة. 19وكُلُّ شَجَرةٍ لاتُثمِرُ ثَمَراً طَيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار. 20فمِن ثِمارِهِم تَعرِفونَهم.

ها هو يسوع مرة أخرى يضعنا امام تحدي جديد، هو الوعي والتميز بين التعليم الصحيح والتعليم المزيف ( المبطن )، فمتى يُعلّم اتباعه ( اليهود) الذين يعرفون جيدا ان النبي هو ( الذى يتكلم الله على فمه) كقول الله لموسى النبي “فالآن أذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به”(خر 12: 4). النبي إذاً هو الذى يكشف له الله أسراره التي يريد أن يعلنها للبشرية. ويؤكد ارميا النبي أن الأنبياء يقفون في حضرة الله، أو في مجلسه السماوي، ويسمعون كلامه ومشورته الإلهية التي يريد أن يعلنها للبشرية (أر 23-18). وهناك القاب وصفات عديدة للنبي في العهد القديم: رجل الله (تث 33: 1)، (1صم 27:2)، (1مل24:17)/ الرائي (ا صم 9: 19) وغيرها. اما في العهد الجديد نرى ان كلمة نبي= في صيغتها اليونانية “Prophetes” ترد حوالي 144 مرة، فقط متى يستعملها بحدود 37 مرة، فتعني ( ينادي، يشرح علانية) او الذي ( يتنبأ) او (الذى يعرف الماضي) او(يعرف ما فى القلوب). أي أن النبي هو الذى ينادى بالدعوة والرسالة الإلهية الموحى بها من الله، والذى يشرح ويفسر معنى كلمة الله بالروح القدس، والذى يتنبأ بما يكون وما سيحدث في المستقبل (لا اقصد كقارئي الفلك والنجوم)، كما يعرف الماضي ويعلم ما في القلوب بالروح القدس الساكن فيه والذى يتكلم على لسانه. ان خلاصة رسالة الأنبياء في العهدين هي تتمحور حول خلاص الله الذي تحقق بابنه يسوع المسيح، كما تكلم عنه انبياء العهد القديم، وكما نادى به يوحنا المعمدان ( التوبة ومجيء المسيح ، متى 3: 7 – 12).

فها هو يسوع هنا ينبه مستمعيه من الأنبياء الكذبة لأنه يقول لنا انتبهوا ان جاءكم احد بغير الذي علمتكم وتكلمت به في هذه العظة (عظة التطويبات) سوف يكون نبيا كاذبا أي تلميذا كاذبا وسوف تعرفوه من ثماره لأنه لا يهم مهما تكلم بكلام معسول، ولكن ان لم يعيش من هذا الكلام فلابد من ان تكون ثماره فاسدة غير جيدة.

ففي العهد القديم قد أدان الأنبياء الحقيقيون الأنبياء الكذبة (إرميا 5: 31 ، حزقيال 13 – الفصل بأكمله يتحدث عن الأنبياء والنبيات الكذبة، زكريا 13: 3)، هؤلاء الذين بدلاً من “كلمة” الله، قدّموا للشعب رسالات خادعة. ولم يتردد السيد المسيح في العهد الجديد من أدانة قادة الشعب اليهودي العميان ” الوَيلُ لَكم أَيُّها القادَةُ العُميان، فإِنَّكُم تَقولون: ((مَن حَلَفَ بالمَقدِس فلَيسَ هذا بِشَيء، ومَن حَلَف بِذَهَبِ المَقدسِ فهُو مُلْزَم ))” (متى 23: 16)، هؤلاء المراؤون الكذابون، الذين رفضوا أن يؤمنوا به” أَنتُم لم تَعرِفوه أَمَّا أَنا فَأَعرِفُه. ولَو قُلتُ إِنِّي لا أَعرِفُه لكُنتُ مِثلَكُم كاذِباً. ولكِنِّي أَعرِفُه وأَحفَظُ كَلِمَتَه” (يوحنا 8: 55)، كما أدان كل الذين يحرِّضون على الكذب وإبعاد الناس عن الإنجيل مثل: مسحاء دجالون (1 يوحنا 2: 18-28)، ورسل كذبة (رؤيا 2: 2)، وأنبياء كذبة (متى 7: 15)، ومسحاء كذبة (متى 24: 24) ومعلمون كذبة (2 طيموتاوس 4: 3 -4)، والأخوة الكذبة، أعداء الإنجيل الحقيقي (غلاطية 2: 4)، وأعداء الحق الإنجيلي (1 طيموتاوس 4: 2). من هؤلاء المزيّفين حذّرنا المسيح قائلاً: “احترزوا من الأنبياء الكذبة”. وبعد ذلك حدّثنا عنهم من أربع نواحٍ: مظهرهم؛ وجوههم؛ ثمرهم؛ مصيرهم.

مظهرهم: “يأتونكم بثياب الحملان” (متى7: 15)، بما معنى يغيرون اشكالهم الحقيقي، يحاولون أن يظهروا بمظهر غير مظهرهم الحقيقي. والسبب في ذلك هو أن أباهم إبليس يحب التقليد، وهم لا يختلفون عنه من هذه الناحية. فيقول مار بولس بهذا الشأن في 2كورنثوس 11: 13- 15: ” 13 لأَنَّ هؤُلاءِ القَومَ رُسُلٌ كَذَّابون وعَمَلَةٌ مُخادِعون يَتَزَيَّونَ بِزِيِّ رُسُلِ المسيح. 14 ولا عَجَب فالشَّيطانُ نَفْسُه يَتَزَيَّا بِزِيِّ مَلاكِ النُّور، 15 فلَيسَ بِغَريبٍ أَن يَتزَيَّا خَدَمُه بِزِيِّ خَدَمِ البِرّ. ولكِنَّ عاقِبَتَهُم تَكونُ على قَدْرِ أَعمالِهِمٍ”. وما اكثرهم اليوم هؤلاء المضلّين يأتون إلى بيوتنا ومكاتبنا ومتاجرنا … أو يستوقفوننا في الشوارع والساحات والمطارات والأماكن العامة لكي يعرضوا علينا سمومهم المقوّلة والمنقولة. متظاهرين بالوداعة والتواضع ليخدعوا قلوب البُسطاء والسُّلماء. فمن جهةٍ تراهم يحملون الكتاب المقدس ويستعملون كلماته وعباراته، ومن جهة أخرى يخلطون الحق بالباطل. هذا لا يعني أن كل من كلّمنا في أمر ديني صار منهم، بل يعني أن هؤلاء منتشرون في كل مكان تحت أسماء كثيرة مثل: شهود يهوه، المورمون (كنيسة آخر زمان)، واخرون مدعين بانهم كنائس ويا مكثرها في بلادنا اليوم، كما اطلق عليها غبطة ابينا البطريرك الكردينال مار لويس ساكو (كنائس= دكاكين).

جوهرهم: اي حقيقتهم. “ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة”، كما قلنا عن الأسماء المنتشرة اليوم أعلاه، انهم ماهرون في خطف النفوس وخطف الفلوس. يقول الرسول بولس في أعمال الرسل20: 29- 30: ” وأَنا أَعلَمُ أَن سيَدخُلُ فيكم بَعدَ رَحيلي ذِئابٌ خاطِفَة لا تُبقي على القَطيع .30 ويَقومُ مِن بَينِكم أَنفُسِكم أُناسٌ يَتَكلَّمونَ بِالضَّلال لِيَحمِلوا التَّلاميذَ على اتِّباعِهم”. ويؤيّد هذا الكلام بطرسُ الرسول في رسالته الثانية 2: 1-2 فيقول: “… سيكون فيكم أيضاً معلّمون كذبة، الذين يدسّون بدع هلاك… وسيتبع كثيرون تهلكاتهم”. وغيرها… لذلك لا غرابة إن دعاهم المسيح “فاعلي الإثم” وشبّههم بالشوك والحسك والأشجار البرية.

عن ثمرهم: “من ثمارهم تعرفونهم”. يسوع يعلمنا هنا بان التلميذ (النبي) الحقيقي يجب ان تكون ثماره حقيقة وصالحة، اما التعليم الزائف يتطلب امتحانا او اختبارا كما تخبرنا رسالة يوحنا الأولى 4: 1 “أَيُّها الأحِبَّاء، لا تَركُنوا إِلى كُلِّ رُوح بلِ اَختَبِروا الأَرواحَ لِتَرَوا هل هي مِن عِندِ الله. لأَنَّ كثيرًا مِنَ الأَنبِياءِ الكَذَّابينَ انتَشروا في العالَم”. أي يجب ان لا نقبل باي كلام يقال لنا (كائن من يكون) علينا ان نقلب الأفكار التي تقال لنا جيدا قبل القبول بها، وهذا أيضا ما أراد متى ان يقوله لاتباعه. فثمار المعلم الجيد (التلميذ) دليل على تشبهه بالمسيح. وهذا ما تقوله الرسالة الى (غلاطية 5: 22-23) “.. المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ 23 والوَداعةُ والعَفاف…”. فاذا ما لمسنا فيه هذه الأمور نعلم انه معلم جيد اما عكس ذلك فهو من المعلم الكذاب.

مصيرهم: “كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار”. ان هذه الكلمات قاسية وخصوصا انها من يسوع الذي جاء من اجل الخلاص، ولكنها درس لنا اي للتلميذ (الذي هو بحسب تعليم متى كل مؤمن) الذي لا يكون امين لتعليم المخلص فمصيره القطع أي فصله عن جماعة معينة والهلاك والنار. فالنار يصوَّر غضبُ الله مرارًا (مز 79 :5؛ 89 :47؛ إر 4 :4؛ صف 1 :18).  أداة عقاب الله ودينونته (مز 50 :3؛ 83 :15؛ إش 26 :11؛ مر 9 :49؛ يع 5 :3؛ رؤ 8 :8-9).

فخلاصة كل هذا التعليم، يجب ان نكون حذرين من التعليم الزائف، حتى وان كان منمقا ومعسولا، يجب ان نمحصه في النار أي بتعليم المسيح وبقوة الروح القدس، لكي ما نعلم هل هذا التعليم هو بقوة الروح القدس او متخفي بزي حمل ولكن داخله ذئب خاطف. وأيضا يجب ان نميز ثمار التعليم ونرى هل هي ثمار صالحة ام عفنة.

اعداد القس مازن صليو البوتاني